النصوص المقدّسة
صموئيل الأول ١


كِتَابُ صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ

من المرجح أن هذا الكتاب قد تم تدوينه، بوحي من الروح القدس، في القرن العاشر قبل الميلاد. وقد اشتملت التوراة العبرانية على كتابي صموئِيل الأول وصموئِيل الثاني في كتاب واحد على اعتبار أنهما يكونان تاريخاً متصلاً يروي قصة حياة كل من النبي صموئِيل، والملك شاول والملك داود. أما تقسيمهما في الترجمات الأخرى فذلك لاعتبارات شكلية ليس إلا.

يستعرض هذا الكتاب سجل المعارك التي دارت رحاها بين الفلسطينيين وجيش الملك شاول وهزيمته في المعركة الفاصلة الأخيرة. يستهل الكتاب تأريخه بوصف للحالة السياسية والعسكرية المهينة التي كان يعاني منها بنو إسرائِيل، ثم ظهور النبي صموئِيل وتتويج شاول كأول ملك على إسرائيل. كان صموئِيل الزعيم الروحي للأمة، أما شاول فقد تولى زمام الشؤون المدنية والإدارية والعسكرية، وقد تمكن في الفترة الأولى من حياته من هزيمة أعدائه، ولكنه بعد تدهور حياته الروحية والأخلاقية أصيب بكارثة رهيبة أودت بحياته وحياة أبنائه في المعركة الخاسرة الأخيرة. وفيما كان نجم شاول يميل للأفول كان نجم داود في صعود وإشراق على الرغم من صغر سنه. ومالبث داود، بعد مصرع شاول أن تسلم قيادة البلاد.

إن الفكرة الأساس في هذا الكتاب هي أن اللّٰه لا يهب المؤمنين به مناعة تقيهم تقلبات الحياة الإنسانية إنما يسبغ عليهم نعمة لكي يدركوا معنى الاتكال على اللّٰه ويجتازوا في بوتقة المحن إلى أن يبلغوا ميناء الأمان برعاية اللّٰه وإرشاده. ففي خضم المحن والحروب وقيام ملوك وسقوط آخرين؛ في أثناء السلام والطمأنينة والخير، يظل اللّٰه قابضاً على زمام التاريخ يوجه الأحداث الإنسانية لصالح الذين يتكلون عليه فيجدون راحة وشجاعة لتحمل عوادي الدهر.

الفصل ١

مولد صموئيل

١ كَانَ رَجُلٌ أَفْرَايِمِيٌّ اسْمُهُ أَلْقَانَةُ بْنُ يَرُوحَامَ بْنِ أَلِيهُوَ بْنِ تُوحُوَ بْنِ صُوفٍ، يُقِيمُ فِي رَامَتَايِمَ صُوفيِمَ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ.

٢ وَكَانَ مُتَزَوِّجاً مِنِ امْرَأَتَيْنِ هُمَا حَنَّةُ وَفَنِنَّةُ. وَكَانَ لِفَنِنَّةَ أَوْلادٌ؛ أَمَّا حَنَّةُ فَكَانَتْ عَاقِراً.

٣ وَكَانَ مِنْ عَادَةِ أَلْقَانَةَ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ مَدِينَتِهِ مَعَ عَائِلَتِهِ فِي كُلِّ عَامٍ ليَسْجُدَ وَيُقَدِّمَ ذَبَائِحَ لِلرَّبِّ الْقَدِيرِ فِي شِيلُوهَ، وَكَانَ حُفْنِي وَفِينْحَاسُ ابْنَا عَالِي كَاهِنَيْنِ لِلرَّبِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.

٤ وَحِينَ يَأْتِي وَقْتُ تَقْدِيمِ الذَّبِيحَةِ كَانَ أَلْقَانَةُ يُعْطِي فَنِنَّةَ امْرَأَتَهُ وَجَمِيعَ أَبْنَائِهَا وَبَنَاتِهَا نَصِيباً وَاحِداً لِكُلٍّ مِنْهُمْ.

٥ أَمَّا حَنَّةُ فَكَانَ يُعْطِيهَا نَصِيبَ اثْنَيْنِ لأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّهَا. غَيْرَ أَنَّ الرَّبَّ جَعَلَهَا عَاقِراً.

٦ فَكَانَتْ ضَرَّتُهَا، حُبّاً فِي إِغَاظَتِهَا، تُعَيِّرُهَا لأَنَّ الرَّبَّ جَعَلَهَا عَاقِراً.

٧ وَثَابَرَتْ عَلَى إِثَارَةِ غَيْظِهَا سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ كُلَّمَا ذَهَبَتْ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ. فَبَكَتْ حَنَّةُ وَامْتَنَعَتْ عَنِ الأَكْلِ.

٨ فَسَأَلَهَا أَلْقَانَةُ زَوْجُهَا: ”يَا حَنَّةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ وَلِمَاذَا تَمْتَنِعِينَ عَنِ الأَكْلِ؟ وَلِمَاذَا يَكْتَئِبُ قَلْبُكِ؟ أَلَسْتُ أَنَا خَيْراً لَكِ مِنْ عَشَرَةِ بَنِينَ؟“.

٩ وَذَاتَ مَرَّةٍ بَعْدَ أَنْ فَرَغُوا مِنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ فِي شِيلُوهَ، وَفِيمَا كَانَ عَالِي الْكَاهِنُ جَالِساً عَلَى الْكُرْسِيِّ عِنْدَ قَائِمَةِ خَيْمَةِ الرَّبِّ، قَامَتْ حَنَّةُ

١٠ بِنَفْسٍ مُرَّةٍ وَصَلَّتْ إِلَى الرَّبِّ وَبَكَتْ بِحُرْقَةٍ،

١١ وَنَذَرَتْ نَذْراً لِلرَّبِّ قَائِلَةً: ”يَا رَبَّ الْجُنُودِ، إِنْ عَطَفْتَ عَلَى مَذَلَّةِ أَمَتِكَ، وَذَكَرْتَنِي وَلَمْ تَنْسَنِي، بَلْ وَهَبْتَ أَمَتَكَ ذُرِّيَّةً، فَإِنَّنِي أُعْطِيهِ لِلرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، وَلَنْ أَحْلِقَ رَأْسَهُ“.

١٢ وَأَطَالَتْ حَنَّةُ صَلاتَهَا أَمَامَ الرَّبِّ بَيْنَمَا كَانَ عَالِي يُرَاقِبُ حَرَكَةَ شَفَتَيْهَا.

١٣ فَإِنَّ حَنَّةَ كَانَتْ تُصَلِّي فِي قَلْبِهَا وَلا يَتَحَرَّكُ مِنْهَا سِوَى شَفَتَيْهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمَا صَوْتٌ، فَظَنَّ عَالِي أَنَّهَا سَكْرَى.

١٤ فَقَالَ لَهَا عَالِي: ”إِلَى مَتَى تَظَلِّينَ سَكْرَى؟ كُفِّي عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ“

١٥ فَأَجَابَتْهُ: ”لا يَا سَيِّدِي: إِنَّنِي امْرَأَةٌ حَزِينَةُ الرُّوحِ، لَمْ أَشْرَبْ خَمْراً وَلا مُسْكِراً، بَلْ أَسْكُبُ نَفْسِي أَمَامَ الرَّبِّ.

١٦ لَا تَظُنَّ أَمَتَكَ ابْنَةَ بَلِيَّعَالَ، فَإِنَّنِي مِنْ فَرْطِ كُرْبَتِي وَغَيْظِي قَدْ أَطَلْتُ صَلاتِي إِلَى الآنَ“.

١٧ فَقَالَ لَهَا عَالِي: ”اذْهَبِي بِسَلامٍ، وَلْيُعْطِكِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ مَا طَلَبْتِهِ مِنْ لَدُنْهِ“.

١٨ فَقَالَتْ: ”لَيْتَ أَمَتَكَ تَحْظَى بِرِضَاكَ“. ثُمَّ انْصَرَفَتْ فِي سَبِيلِهَا وَأَكَلَتْ، وَلَمْ تَعُدْ أَمَارَاتُ الْحُزْنِ تَكْسُو وَجْهَهَا.

١٩ وَفِي الصَّبَاحِ التَّالِي بَكَّرُوا بِالنُّهُوضِ وَسَجَدُوا أَمَامَ الرَّبِّ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى بَيْتِهِمْ فِي الرَّامَةِ. وَعَاشَرَ أَلْقَانَةُ زَوْجَتَهُ حَنَّةَ، وَاسْتَجَابَ الرَّبُّ دُعَاءَهَا.

٢٠ وَفِي غُضُونِ سَنَةٍ حَبِلَتْ حَنَّةُ وَأَنْجَبَتِ ابْناً دَعَتْهُ صَمُوئِيلَ قَائِلَةً: ”لأَنِّي سَأَلْتُهُ مِنَ الرَّبِّ“.

حنة تكرس صموئيل

٢١ وَفِي مَوْعِدِ الذَّبِيحَةِ السَّنَوِيَّةِ مِنَ الْعَامِ التَّالِي، ذَهَبَ أَلْقَانَةُ وَأُسْرَتُهُ لِلْعِبَادَةِ.

٢٢ غَيْرَ أَنَّ حَنَّةَ تَخَلَّفَتْ عَنْهُمْ قَائِلَةً لِزَوْجِهَا: ”سَأَنْتَظِرُ حَتَّى أَفْطِمَ الصَّبِيَّ، ثُمَّ آخُذُهُ لِيَمْثُلَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَأَتْرُكُهُ هُنَاكَ إِلَى الأَبَدِ“.

٢٣ فَأَجَابَهَا أَلْقَانَةُ: ”افْعَلِي مَا يَحْلُو لَكِ، وَامْكُثِي حَتَّى تَفْطِمِيهِ، وَيَكْفِينَا أَنَّ الرَّبَّ يَفِي بِمَا وَعَدَ بِهِ“. فَمَكَثَتْ حَنَّةُ فِي بَيْتِهَا تُرْضِعُ ابْنَهَا إِلَى أَنْ فَطَمَتْهُ.

٢٤ ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِالصَّبِيِّ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ صِغَرِ سِنِّهِ، إِلَى الرَّبِّ فِي شِيلُوهَ، وَمَعَهَا ثَلاثَةُ ثِيرَانٍ وَإِيفَةُ دَقِيقٍ (نَحْوَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِتْراً) وَزِقُّ خَمْرٍ.

٢٥ وَبَعْدَ أَنْ ذَبَحُوا الثَّوْرَ حَمَلُوا الصَّبِيَّ إِلَى عَالِي،

٢٦ وَقَالَتْ لَهُ: ”لِتَحْيَ نَفْسُكَ يَا سَيِّدِي، أَنَا الْمَرْأَةُ الَّتِي مَثَلَتْ لَدَيْكَ هُنَا تُصَلِّي إِلَى الرَّبِّ،

٢٧ مُتَضَرِّعَةً إِلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَنِي هَذَا الصَّبِيَّ، فاسْتَجَابَ الرَّبُّ دُعَائِي الَّذِي رَفَعْتُهُ إِلَيْهِ.

٢٨ لِذَلِكَ أَنَا أَهَبُهُ لِلرَّبِّ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ“. وَسَجَدُوا هُنَاكَ لِلرَّبِّ.